أضواء على كتاب الهي جديد عليكم

   إذا كان البعض يفهم الشعر على أنه سيرة ذاتية أو حكاية محطات معينة من حياة الشاعر، فإن كتاب "إلهي جديد عليكم" هو شيء من هذا القبيل.
   شربل بعيني يحكي في كتابه الجديد "الهي جديد عليكم" نتفاً من حياته الخاصة، التي تبدو خلال قصائده عالماً من التناقضات المرعبة، وتبدو أيضاً سريعة التقلّب والتبدّل كطقس أوستراليا وربما أكثر.. فمن الحب ونشدان الجمال والغناء والطرب، الى الحزن والتشاؤم، فاليأس حتى الكفر.
أناجي وأعبد رباً أصماً
عيي اللسان
وعيناه يابستان
إلهي جديد عليكم
ألستم تحبّون كل جديد؟
   إله الشاعر هنا غير معروف أعطاه بطاقة مطلقة، وقد يكون الدولار، أو الألم والضياع، وقد يكون غيره. المهم أن الشاعر يعلن عبادته لهذا الاله ـ الحجر، والمهم أيضاً أن الشاعر يائس.
   وكما أن إله الشاعر غامض، كذلك حبيبته، وأحزانه وأفراحه وأشياءه. فالعموميات تغلب على الخصوصيات، والأوصاف والصور الشعرية في قصائده معروفة عند كل الشعراء، غير انه صاغها باسلوب نيوكلاسيكي على طريقة نزار قبّاني في تفعيلاته العمودية.
   ويحاول الشاعر بعيني طرح اشارات فلسفية بصيغة شعرية تقريظية، خصوصاً في تساؤلاته حول من "أنا".
"من أنا؟"
   سؤال من عمر الانسان. فما الجديد فيه؟ وما كان جواب الشاعر؟ كان نوعاً من "الهرطقة" المجانية. كان نوعاً من اعلان الافلاس واليأس في هذا العالم "عبثية الوجوديين".
   الشعر الشعر هو الابداع، والابداع الشعري هو ان تخلق عالماً جديداً بلغة وشكل جديدين.
   وباختصار.. الشعر لعبة خطيرة مع الاشياء، ومع الكون، ومع الذات، ومع الله، ومع الشكل.
   وباختصار أكثر.. القصيدة ليست طلاء لدهن قشرة العالم، وانما هي فعل هدم وبناء. وانطلاقاً من هذا ماذا هدم البعيني، وماذا بنى في كتابه الجديد "الهي جديد عليكم"؟.
   عنوان الكتاب لا يخلو من الركاكة البيانية، فالأصح أن نقول: "عليكم جديد الهي" أو "جديد عليكم الهي" أو "الهي عليكم جديد". غير أن تفعيلة البعيني اقتضت الصياغة الركيكة صوناً للوزن وتقديراً لمنزلته.
   كما ان القافية لجمت انفاس الشاعر، وحدّت من انفلات شاعريته على مداها. من هنا يأتي عدم ارتياحنا الى الوزن والقافية في الشعر.
   نعرف ان شربل بعيني شاعر كبير وقدير وخصب، لكن بلغته اللبنانية الأصيلة، لا باللغة "المستعارة" الأخرى، ولغته في كتاب "مجانين" كانت تعدنا بالكثير، لكنه هجرها وتنكر لها، ورحل الى لغة يبدو من خلالها مضطرباً،  ومثل ختيار يجتاز طريقاً وعراً وسط عاصفة هوجاء، لم تساعده هذه اللغة على تفجير طاقاته الشعرية الكامنة بشكل عفوي لا تصنّع فيه ولا تذبذب.
   البعيني شاعر باللغة اللبنانية، فلماذا يغدر بهذه اللغة؟ ولماذا لا يريد أن يكون شاعراً؟
   على أي حال، ان كتاب "الهي جديد عليكم" يشكل مغامرة أدبية مهمة في اطار حركتنا الأدبية المهجرية، ولعل أهمية الكتاب تكمن في أن الشاعر اكتشف بعد التجربة ان مكانه الطبيعي والابداعي هو في اللغة اللبنانية الجميلة، لا خارجها ولا على انقاضها.
صدى لبنان، العدد 287، 18 ايار 1982
**