التقليد والسرقة في حركتنا الشعرية

شاعر شاب أصبح معروفاً جداً في لبنان، وله خمسة كتب شعرية، كنت ألتقيه دائماً، وكنت معجباً بنبوغه وديناميكيته ومقالاته الصحفية النقدية، وكنت واياه نتعاطف كثيراً مع حركة طلابية شكلت منذ منتصف الستينات تياراً ادبياً واسعاً.
   ذات يوم سألني عن جديد لي، وكنت آنذاك مولعاً بالجنون أي الشعر، فقرأت له آخر قصائدي، وبعد أشهر وجدت ملامح تلك القصائد في كتابه الثالث مثل "لا احد يكمش الارض في رحيلها"، و"الورقة تشقّ مسافة سقوطها".
   هو نشر قصائده قبلي، ومن يصدّق أن مثل تلك التعابير هي لي، خصوصاً وان هذا الحديث يعود الى ما قبل خمسة عشر عاماً؟
   تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ كتاب "الغراب الأعور" للشاعر ميشال طراد، الذي صدر هذا العام، ومما قرأت"
وشمس العمر يا بني مالت عالغياب
وشح النظر ما عدت فيي إقشعك
هذه الابيات بماذا تختلف عما كتبه الشاعر أسعد السبعلي كما في قوله:
والصورة الودّيتها بقلب الكتاب
شحّ النظر بالكاد وجّك إقشعو
   وفي كتاب "رباعيات" للشاعر شربل بعيني، مرّ أمامي البيت الشعري التالي الذي تطوّر الى قصيدة في كتاب "الغربة الطويلة" للشاعر نفسه:
تراب رجع تراب وتراب عم يمشي
   يقابله بيت شعري آخر في كتاب "بنات العشرين" للشاعر ايليا ابو شديد:
تراب باقي تراب، وتراب عم يمشي
فمن سرق من؟ ومن سرّق عمّن؟
   يقول الشاعر شربل بعيني انه لم يقرأ كتاب "بنات العشرين" قبل كتابة قصيدته في الانسان ـ التراب، وانه لم يقرأ شعراً من ذي قبل في هذا المعنى. ويعني ذلك ان هناك تواتراً في الأفكار بين أبو شديد وبعيني. وهذا أمر قد حدث مع كبار الشعراء والأدباء والفلاسفة.
   على أي حال، ان قصة الانسان ـ التراب تعود الى نبع واحد هو التوراة: "اذكر يا انسان انك من التراب والى التراب تعود".
ولكن ماذا عن السارق الكبير أحمد شوقي حين يقول:
رتب الشجاعة عند الرجال جلائل
وأجلّهن شجاعة الآراء
   بينما كتب أحد كبار فطاحل الشعر العربي قبله بمئات السنين:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني
ديالا، العدد 5، 17 أيلول 1987
**