رسالة أخيرة حول مناجاة علي

عزيزي شربل
   تحية من القلب
   مهما قسا الناقد، يظل المنقود أوفر حظاً وأكثر استفادة.
   أن أتهمك بالتعصّب، فقد حددت مادة تعصّبك ونبعته وسببه دون تعميم التهمة، بعكس فعلتك نحوي. وأما الاتهامات الأخرى فكانت حصيلة نقاش وتناقض فكري بيني وبينك، ولم تكن تهجماً شخصياً.
   الموضوع ليس كلاماً على الجاهل والعاقل، وإلا لما كان ما كان.
   وليس كلاماً على الاثارة، ولهذا فإن "النهار" أغلقت بوجهنا الباب.
   وليس كلاماً على الابريق والفناجين، وإلا لما رجعنا الى الوراء كل هذا الزمن، ولما قطعنا كل هذه المسافات، لأن العقل يعمل ويحقق اليوم خارج رمالنا ويباسنا.
   عودتنا الى الوراء كانت شيئاً من الحنين وشبه زيارة خاطفة.
   ان صفة "فيلسوف" يمكن اطلاقها على الكثيرين من حملة الأقلام، لا بمعناها الأكاديمي، وأما الصفة الأكاديمية فلا تطلق إلا على من كانت له نظرية فلسفية متكاملة.
   الدارسون القدماء والجدد لم يتمكنوا من ايجاد مكان لعلي بن أبي طالب في الفلسفة الأكاديمية، لأنه لم يترك وراءه دراسات فلسفية ونظريات على نحو ما فعل الفلاسفة الآخرون من عرب وأعاجم. لذا فإنني فوجئت بلقبه: فيلسوف الفلاسفة"، علماً بأن العرب لم يعرفوا هذا العلم الشمولي الكلي إلا في فترات متأخرة عن طريق الترجمات عن اليونانية والهندوسية. فأمهات الفلسفة العالمية هي فلسفات اليونان. ربما يكون علي فيلسوف الفلاسفة العرب في زمانه حيث لم يكن فلسفة ولا من يحزنون. اما ان يكون فيلسوفاً أبعد من شبه الجزيرة العربية، وابعد من زمنه المحدود جداً، فهذا ضرب من المغالاة، ولا يهمني كثيراً ما يقوله المغالون في هذا المجال.
   أما بالنسبة لما قاله جبران في علي، فيختلف في الجوهر عما تقصده أنت: "مات شأن جميع الأنبياء"، وما دام حصيره الموت مثل جميع مثل جميع الأنبياء، فما المبرر لتسميته بقديس القديسين؟ على أن كل نبي، متى تم اختياره من فوق، هو بالضرورة قديس ما دام يطيع من هو فوق، ويعمل بإرادته، وإلا فإنه نبي كذاب. ألا تعلم يا عزيزي بأن الشيطان يتنبأ أيضاً، ويقوم بأعاجيب خارقة؟ على أن علياً لم يكن نبياً بل كان مجاهداً مثالياً، وذا فهم لا قبل للعرب به آنذاك.
   ثم هناك "لخبطة" في أفكارك من حيث أن المسيح في الأناجيل هو نفسه عيسى بن مريم في القرآن. هناك شخصيتان مختلفتان تماماً، وإلا ماذا نفعل بهذه الأسرار المسيحية المقدسة، مثل: سر الألوهية في شخص المسيح، وسر الفداء، وسر القيامة بعد ثلاثة أيام، وسر الصعود، وسر الجلوس عن يمين العظمة الالهية، وسر المجيء الثاني بالصفة الالهية الخالصة؟
   أخيراً لك مني أطيب التحيات والتمنيات، وتذكر دائماً بأن ما من إنسان يكمّل نفسه بنفسه.
سيدني 1993
**