عودة الى الشاعر شربل بعيني في "مناجاة علي" 2

يعتبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من أكثر الشخصيات الاسلامية التاريخية مثاراً للجدل حتى أيامنا هذه. بمقتله مصلياً، انتهى عهد الخلفاء الراشدين، وانتقل الحكم الاسلامي الى الأمويين في دمشق، ليصبح حكماً وراثياً. وبعلي وخصومه السياسيين، بدأت الحرب الاسلامية، وتعدد الفرق والمذاهب والطوائف، فكان هناك الانصار والخوارج والعلويون والشيعة والسنة.
   يحتار الباحث من أين يبدأ مع علي بن أبي طالب لئلا يثير قلاقل الآخرين وغضبهم. فتعاليم كل طائفة حيال علي تختلف عن تعاليم الأخرى. ولكل منها موقفه ونظريته. من هنا فان احتيار الشاعر شربل بعيني شخصية علي لتكون مادته الشعرية يبدو اختياراً محفوفاً بالمخاطر سلفاً. وهو اختيار لن يرضي الجمهور الكبير مهما حاول الشاعر مراعاة الموقف، ومجاملة الساهرين على شرائع الطوائف وطقوسها. فكيف اذا كان الشاعر حاداً لدرجة انه "مسحن" علياً وخلع عليه الكثير من صفات المسيح؟
   شعراء كثيرون استهلوا علياً ومأساة "عاشوراء" في أشعارهم. وفي عصرنا الحديث هناك الشاعر بولس سلامة الذي وضع ملحمة عيد الغدير الشعرية المتكاملة في مأساة "الحسن والحسين" فيها من العاطفة ما يدمي القلوب. وفي الشعر العامي، وضع أسعد السبعلي قصيدته المطولة أمير الزاهدين في علي ومزاياه الخلقية والانسانية، لكن أحداً من الشعراء لم يجعل من علي مخلصاً على نحو ما يقول المسيحيون في المسيح.
   قد يتبادر الى ذهن البعض انني في مقالتي السابقة، كنت اتوخى السلبية وحسب في تناولي ديوان "مناجاة علي". ما كتب قد كتب. ولست بآسف على شيء لأن الشاعر بدون ناقد أمين هو شاعر فاشل، وأنا أتوسل النقد طريقاً. جل ما فعلت انني دونت بضع ملاحظات خلتها كافية لأي عمل نقدي يتناول "مناجاة علي" مستقبلاً، وأعتقد انه اذا كان لا بد من نقد سليم لديوان "مناجاة علي" ينبغي على الناقد أن يدرس مقارنة ثلاثة شخصيات تاريخية: المسيح، محمد وعلي.
   على اي حال، يبقى هذا الديوان كنقلة شعرية نوعية باللغة العامية، مغامرة جريئة تسجل للشاعر شربل بعيني انطلاقة جديدة برغم كل المآخذ، ولعل أهم ما يميز الديوان هو انه صادر عن شاعر غير مسلم، مما يؤكد ان الانسانية فوق الطوائف والمذاهب. المحبة تجمع لا تفرق دون أن تلغي الخصوصيات، لأن المحبة بدون حرية هي كالجسد الذي بدون روح.
   في الأخير، نرجو من أصحاب النوايا "الطيبة" والباحثين عن الاثارة الطائفية عدم تفسير ما نكتبه وفق مزاجهم لأن رأينا بعظمة الامام علي وسمو مقامه لن يتغيّر.
النهار، 7/1/1993
**