عودة الى الشاعر شربل بعيني: نظرة جديدة على ديوان مناجاة علي

قيل الكثير في ديوان "مناجاة علي" للشاعر شربل بعيني. لست أتناول ههنا ما قيل على السنة الخطباء والنقاد والمحتفلين بهذه النعمة الشعرية. ولست بصدد تشريح الكتاب تشريحاً مفصّلاً ووافياً مع أنه نقلة نوعية في المسار الشعري المهجري العامي. لكن "مزامير" معينة استوقفتني قليلاً تتعلّق بحقيقة علي بن أبي طالب التاريخية، والعقيدة الاسلامية ومسألة التوحيد وتعدّد الاجناس.
في المزمور الأول ورد ما يأتي:
من فلسفتك
من أقوالك
شعّت شمس وطلع نهار
   إن علياً لم يكن فيلسوفاً، وما أعطى فلسفة، بل سار على دين الله وسنن رسوله.
في المزمور الثاني:
يا قديس القديسين
يا مرجّع يسوع الحبّ
   في الاسلام، قديماً وحديثاً، ما كان عليّ بأعظم من عمه النبي محمد، لا في المراتب البشرية، ولا في المراتب السماوية. فكيف ينادي به الشاعر "يا قديس القديسين"؟ واما ان يكون علي هو "مرجع يسوع الحب" فاعتقاد لا تثبته الاحداث التاريخية، ذلك ان علياً شارك في كل الحروب التي خاضها الرسول. وقتل من أهل قريش الكثيرين. وكان هذا سبباً رئيسياً في امتناع أهل الشورى عن مبايعته الخلافة بعد وفاة الرسول حرصاُ على وحدة المسلمين التي كانت متمثلة آنذاك في وحدة أهل قريش. وخاض أيضاً حروباً ضد معاوية بي أبي سفيان، ومنها معركة "صفّين" الشهيرة. اما يسوع فلم يدافع حتى عن نفسه أمام بيلاطس البنطي وملوك اليهود ورؤساء أساقفتهم.
في المزمور الخامس:
إنك أكبر من انسان
   من هو علي إذن، ما دام أكبر من انسان؟ هل كان ملاكاً أو نورانياً؟
في المزمور السادس:
انت الغايه
وحدك وحدك
يا أمير المؤمنين
يللي صلّى عليك وسلّم
   كيف يكون علي هو الغاية؟ ان غاية المؤمن هي خلاص النفس. فمن يكون علي ليصبح هو غاية المؤمن؟ وهل صحيح ان الله سلّم علياً وليس محمداً؟
   ان بإمكان اي مؤمن ان يصلّي على أمير المؤمنين، وأما عملية تسليم الكتاب الشريف فلم تتم إلا بوحي من الله الى رسوله محمد لا غيره بواسطة الملاك جبريل.
   كيفما فسّرنا كلام الشاعر، يظل الكلام مغالطة تاريخية ودينية لا تتوافق والاسلام.
في المزمور السابع:
منك كان البدو يكون
ومن دونك ما كان الكان
   لقد لعب الشاعر على "فعل ناقص" لعبة ذكية وجميلة، فمن علي كان الذي سوف يكون. وكان ما كان، وبدونه ما كان شيء. وهكذا يأخذ علي في المساحة الشعرية المبنية على "فعل ناقص" صفة الخالق السرمدي.
في المزمور الثامن:
يا فارس جنات الخلد
ملايكتك كانوا يحبّوك
   لست أدري شيئاً عن الخلد وجناته وفوارسه وملائكته، انها قفزة فوق الخيال وفوق مدركات الانسان العقلية والحسية.
في المزمور التاسع:
سبحانو الـ رسمك مخلوق
   في هذا المزمور.. النظرة الى علي تغيّرت بصورة دراماتيكية مفاجئة. فهو من به كان ما سوف يكون وما كان، ثم تحوّل الى فارس جنات الخلد، فإلى مخلوق عادي بصورة انسان.
في المزمور العاشر:
حبيبه وحبّت حبيب
تشرّف فيهن نسل الربّ
   نعرف أن الله في الاسلام هو أحد صمد وليس له نسل.
في المزمور الثاني عشر:
ألله واحد علّي الصوت
يا علي وسمّع هالناس
لا بدو جهاد ولا موت
بدّو نعيش جناس جناس
   الجهاد في سبيل الله ونشر الرسالة الاسلامية هو من صميم العقيدة الاسلامية. فكيف ينفي الشاعر مبدأ الجهاد في الاسلام؟
   هذا من جهة، واما من جهة ثانية، فإن الشاعر طالب بتوحيد الاديان، ومن ثم عاد ليقول لنا بلهجة نبوية ان الله قد حكم علينا بألا نكون أمة واحدة وديناً واحداً بل "أجناساً أجناساً".
ملاحظة عامة:
   أخال الشاعر في "مناجاة علي" يكتب عن "علي الطائفة العلوية"، لا عن علي المسلمين عامة، ولا عن علي المعروف لدى غير المسلمين. وحتى ان "علي العلويين" يبدو في شعر بعيني متناقض الطبيعة والاحوال ولن أقول أكثر.
النهار، العدد 782، 24/12/1992
**